منذ الأحداث المأساوية التي أعقبت 7 أكتوبر 2023، تعرّض قطاع غزة لدمار هائل وشامل جراء الاعتداءات المتواصلة مما أدّى إلى خسائر هائلة ومعاناة تفوق الوصف مع استشهاد ما يزيد عن 40 ألف فلسطيني وإصابة أكثر من 70 ألفاً ونزوح 90% من سكان القطاع البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة بحثاً عن ملاذ آمن ما جعل مراكز الإيواء تكتظ بالنازحين. في ظل أعمال العنف المستمرة، وسعياً لتضميد بعض الجراح تكفلت دولة قطر باستقبال أكثر من 2000 فلسطيني مُصاب مع عائلاتهم، منهم نحو 600 طفل جريح، وأعداد كبيرة كانت بحاجة إلى رعاية طبية جسدية ونفسية عاجلة.
في ظل الرعاية المباشرة من وزارة الخارجيّة ووزارة التنمية الاجتماعية والأسرة، أصبح المجمّع الفلسطيني الذي استقبل العائلات التي تم إجلائها في قطر أكثر من مركز طبي، بل ملاذًا آمنًا يقدم كل وسائل الرعاية والدعم وتوفير ما هو لازم لبدء عملية التأهيل والتعافي عبر توفير الدعم النفسي والاجتماعي الشاملين.
ضمن هذا الإطار حرصت مؤسسة الجيل المبهر على التواجد في الميدان للمشاركة في التأهيل، والعمل على توظيف الرياضة علاجياً لتأمين الدعم اللازم. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ الجيل المبهر يلتزم منذ زمن بعيد بتقديم الخدمات الرعائية للأطفال والشباب والمجتمعات أثناء النزاعات وبعدها في مناطق مختلفة حول العالم. كما تحرص المؤسسة على التنسيق الدائم مع الجهات المعنية في كل مجتمع لتوفير بيئة حاضنة آمنة للانطلاق في رحلة التعافي النفسي والجسدي عبر مجموعة كبيرة من البرامج المُخصّصة، التي تسمح بتوفير الفرص للأطفال والشباب لاكتشاف إمكاناتهم وتطويرها رغم كل الصعاب والخسائر التي واجهوها.
قوّة الرياضة للتعافي من الصدمات
أطلقت مؤسسة الجيل المبهر عام 2021، برنامج الدعم النفسي الاجتماعي حين وفرت للاجئين الأفغان في قطر عقب تهجيرهم الدعم الكامل مع نسج علاقات وثيقة مع المجتمع الأفغاني وإنشاء بيئة حاضنة داعمة من خلال تدريبات كرة القدم وأنشطة بناء المجتمع، لتعزيز التعافي والمؤازرة. واليوم، وبدعم من وزارة الخارجية ووزارة التنمية الاجتماعية والأسرة في قطر، يعتمد الجيل المبهر النهج ذاته لاحتضان ورعاية من تم إجلائهم من غزة.
بالشراكة مع مكتبة أطلقت مؤسسة الجيل المبهر برنامج الدعم النفسي الاجتماعي الذي يركز على تنمية القدرة على المواجهة، وتعزيز الرفاهية والاندماج الاجتماعي. فمن خلال مجموعة من مبادرات الرياضة من أجل التنمية وحصص كرة القدم الموجهة وأنشطة الفنون الإبداعية، تسعى المؤسسة إلى إيجاد مساحة آمنة وداعمة لشباب غزة وأسرهم. لا تقتصر أهمية هذه الأنشطة على الترفيه، بل تُعد وسائل أساسية لبدء عملية التعافي وبناء المجتمع.
نظرة عامة
يشكل الأطفال والشباب محور البرنامج النفسي والاجتماعي للجيل المبهر، فيما تُعد كرة القدم، بشعبيتها الهائلة عالميا وقدرتها على تذليل العقبات وتقريب المسافات ولم شمل المجتمعات وسيلة أساسية ضمن هذه المبادرة. يتكون البرنامج من أربع مراحل رئيسية متزامنة تم تصميمها على هذا النحو كي تحدث فارقًا متزامنا وفقا لمستوى كل مشارك:
- لتعريف والاندماج (فبراير 2024): بقيادة المدربين الرئيسيين من الجيل المبهر، توفر أنشطة كرة القدم لدينا فرصة للأطفال للتأقلم مع بيئتهم الجديدة. تعقد هذه الجلسات التدريبية مرتين أسبوعيا لتعزيز التفاهم المُتبادل والاندماج الاجتماعي بين أفراد وسكان المجمع المتنوعين.
- تشكيل الفرق والتنافس ودياً (نشاط مستمر): ينظم مدربو الجيل المبهر الرئيسيون بطولات في كرة القدم لتعزيز العمل الجماعي وتشجيع التنافس السليم. كشفت البطولة الأولى التي أُقيمت في مارس 2024 عن قوّة الرياضة التغييريّة من حيث استعادة الثقة بالنفس والتشجيع على نسج الصداقات الودية.
- اختيار الفريق الكروي وتمكين المدربين: في خطوة متممة لمرحلة "التنافس الودي" تم تشكيل فريق يتكوّن من أبرز اللاعبين ومنحهم فرص تمثيل مجمع غزة في مباريات محلية ودولية. وفي الوقت نفسه، تتلقى مجموعات أخرى من السكان تدريبات لاكتساب مهارات تدريبية في كرة القدم لتمكينهم وتعزيز رحلتهم كي يصبحوا قادة في مجتمعهم.
- التدريب المستمر وتعزيز الخصائص القيادية (نشاط مستمر): بقيادة المدربين الجدد الذين تم إعدادهم حديثا، تستمر جلسات كرة القدم الأسبوعية لتعزيز المشاركة المجتمعية والقيادة لترسيخ وتثبيت الأثر الاجتماعي المستدام للبرنامج.
الأهداف الرئيسية
إن برنامج الجيل المبهر ليس مجرد مبادرة رياضية، بل هو نهج ومسار لإعادة التأهيل والدمج الاجتماعي مع وضع عدة أهداف رئيسيّة في عين الاعتبار:
- تسهيل إعادة التأهيل: يتم توظيف البرنامج الرياضي كوسيلة للوصول إلى أسلوب حياة لتعزيز التعافي جسديا ونفسيا، وتوفير شعور بالاستقرار للمشاركين وسط الأزمة المستمرة.
- تعزيز القيم الأساسية: يكتسب الأطفال والشباب من خلال الرياضة المهارات والقيم الحياتية الحيوية مثل العمل الجماعي والاحترام والتسامح.
- تعزيز التماسك المجتمعي: يوحد البرنامج الشباب من خلفيات متنوعة مما يساعد على بناء روابط مجتمعية أقوى ويحفزهم على استكشاف إمكاناتهم الكاملة.
- تنمية المجتمع والقيادة: يعمل الجيل المبهر على تمكين السكان من خلال إعدادِهم كي يصبحوا مدربين لتولي أدوار قيادية لضمان أثر دائم للبرنامج.
الفعاليات والأثر، دعم المجتمع خلال الأزمات
من خلال تطبيق برنامج الجيل المبهر النفسي والاجتماعي والترفيهي عبر سلسلة من الفعاليات والمبادرات داخل الملعب وخارجه، تمت صناعة الفارق من خلال تحقيق أثر ملحوظ ومستدام.
- حصص تدريبية أسبوعية في كرة القدم: بمعدل مرتين أسبوعياً، ينظم الجيل المبهر حصصا كروية منتظمة تشمل نحو 50 مشاركا، يتم تقسيمهم إلى فئتين: دون 15 عاما وما فوق 15 عاما. تعمل هذه الأنشطة على التنمية البدنية وتعزيز التفاعل الاجتماعي، وتعزيز الرفاه النفسي للمشاركين. تم تصميم الحصص كي تكون شاملة مع مراعاة ذوي الاحتياجات الخاصة ممن فقدوا أطرافهم بسبب الاعتداءات البربرية في غزة.
- البطولة الرمضانية في كرة القدم (أبريل 2024): بمشاركة نحو 50 لاعبا، أضفت هذه البطولة روح التنافس والتماسك المجتمعي وساهمت في تعزيز بناء الألفة بين الأطفال القادمين من خلفيات اجتماعية متعددة.
- دورة تدريب المدربين (أبريل 2024): على مدار ثلاثة أيام كان الهدف من الدورة التدريبية تزويد 15 مدربا بمهارات تدريب كرة القدم وإعدادهم لقيادة الأنشطة الرياضية في المستقبل.
- الدعم النفسي والصحة الذهنية (أبريل 2024): عمل مدربو الجيل المبهر على تضمين دليل التدريب الرياضي للدعم النفسي في حصص كرة القدم التي تمت بمشاركة 40 شخصا. قاد هذه الحصص المدربون الجدد وقد ركزت على تقديم استراتيجيات عملية لإدارة الصدمات وتعزيز الصحة النفسية.
- مجموعة التطريز (أبريل - سبتمبر 2024): بالتعاون مع مكتبة، شارك 40 من سكان المجمع من الإناث والذكور في نشاط التطريز - وهو فن تقليدي فلسطيني. سلطت هذه المبادرة الضوء على التراث الثقافي مع توفير مساحة علاجية للتعبير عن النفس وتعزيز التماسك الاجتماعية.
- المخيمات الصيفية والزيارات الثقافية (يوليو 2024): وفرت الرحلات فرصا للترويح النفسي والتخفيف من صدمات التهجير. شارك في الرحلات المتنوعة التي نظمها الجيل المبهر و"مكتبة" أكثر من 150 شخصاً، وهدفت إلى تأمين تجارب تعليمية ممتعة مع تنويع الأنشطة. كان من ضمن المشاركين 35 طفلا زاروا كريوسيتي وكيدز موندو، بالإضافة إلى استمتاع 80 شابا وشابة بأنشطة المركز الترفيهي ميغابوليس.
- ورش التعبير الكتابي عن الصدمات (نشاط مستمر): نظم الجيل المبهر بالتعاون مع "مكتبة" بمشاركة 15 مراهقا نشاطا كتابيا للتعبير عن حالات الصدمة. توفر هذه المبادرة مساحة آمنة للتعبير الإبداعي والإفصاح كتابيا عن المشاعر المؤلمة مما يساعد على التكيف على نحو أفضل مع الآثار النفسية المترتبة عن الصراعات وأعمال العنف.
- لقاء الشخصيات البارزة والتفاعل معها: تم تنظيم زيارات من قبل شخصيات معروفة من اللجنة الأولمبية الدولية والشخصية المعروفة عمر سليمان. وقد شارك نحو 30 طفلا في الأنشطة الرياضية التي عززت من الإدراك العام وبثت الحماس لدى المشاركين.
- التفاعلات الثقافية: أثْرَت الأنشطة المُنتظمة والرحلات الثقافية تجاربَ المشاركين مثل الزيارات لـ 3-2-1 المتحف الأولمبي والرياضي في قطر.
استشراف المستقبل: تعزيز القدرة على الصمود وبث الأمل
من خلال القوة المؤثرة للرياضة والدعم النفسي والاجتماعي، يُسخر برنامج الجيل المبهر النفسي والاجتماعي المخصص للأطفال والشباب الفلسطيني الذين تم إجلاؤه من قطاع غزة إلى الدوحة، قوة الرياضة لدعم الأفراد في رحلة التعافي خلال الأزمات المستفحلة والصعبة. يهدف البرنامج من خلال توفير وتعزيز الرفاه البدني والذهني والاجتماعي إلى تنمية الشعور بالانتماء لدى المهجرين والنازحين قسراً. ومن خلال الدعم المستمر، يهدف الجيل المبهر إلى غرس الأمل وتنميته، وإيجاد أسلوب حياة إيجابي ومستمر، وتوفير الاستقرار النفسي لتخطي الصدمات المتولدة جراء التهجير القسري والحروب.
إن التزام الجيل المبهر تجاه هؤلاء الأفراد يعكس الهدف الأكبر للمؤسسة: توظيف القوة التحويلية للرياضة للتعافي والتطوّر، وبناء مجتمعات أقوى وأكثر تماسكا لمواجهة الأزمات والظروف الصعبة.